قيل إن التصوف - ضمن تعريفاته الكثيرة - هو تذوق الإسلام، وقيل إن من ذاق عرف، وتذوق الإسلام أعلى درجات المعرفة.
فرق كبير بين السماع بالشىء ورؤيته.
فرق بين من قرأ أو سمع عن الخضر عليه السلام - مثلاً - وبين من رآه وحادثه بنفسه. قال سيدى أبو العباس المرسى رضى الله عنه: دخل علىّ الخضر عليه السلام مرة وعرَّفنى بنفسه، واكتسبت منه معرفة أرواح المؤمنين بالغيب هل هى معذبة أو منعمة. فلوجاءنى الآن ألف فقيه يجادلونى فى ذلك ويقولون بموت الخضر ما رجعت إليهم.
فرق كبير بين من سمع حديث النبى صلى الله عليه وسلم فى فضل الوضوء الذى يقول فيه "من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره"، وبين من رأى بعينى رأسه أثر الخطايا والذنوب فى الماء الذى ينزل مع الوضوء مثل ما ذكره سيدى عبد الوهاب الشعرانى فى كتابه "لطائف المنن والأخلاق" حيث قال:
- كان سيدى على الخواص إذا نظر فى الميضاة التى يتوضأ منها الناس يعرف جميع الذنوب التى غُفرت وخرت فى الماء من غسالتها، ويعرف أهل تلك الذنوب التى غُفرت على التعيين، ويميز بين غسالة كل ذنب عن الآخر من كبائر وصغائر.. وأطلعنى مرة فى ميضاة المدرسة المزهرية بسويقة اللبن، فرأيتها عروقًا عروقًا مجاورة لبعضها بعضًا، ولم أر فى غسالة الكبائر أقبح ولا أنتن ريحًا، ولا أغلظ عروقًا من غسالة اللواط، والوقوع فى أعراض الناس، والتهاون فى الناس، والاستهزاء بهم، وقتل النفس التى حرم الله قتلها.
فرق بين من يحدِّد القبلة بالحسابات وبين من يرى الكعبة شاخصة أمام عينيه..
قال الإمام النبهانى فى "جامع كرامات الأولياء" إنه بُنى مسجد بحران، وحضر الشيخ حياة الحرانى لينصب لهم المحراب، فقال المهندس: القبلة كذا، فخالفه (الشيخ)، وقال له: انظر تر الكعبة. فنظر فإذا هى بإزائه رأى العين بغير مانع، فخر مغشيًّا عليه.
فرق بين من يقرأ قول الله عز وجل: (إنا سنلقى عليك قولا ثقيلا) ، فعرف أن للقرآن ثقلاً وبين من شَعَرَ بثقل القرآن على جسمه، كالصحابى زيد بن ثابت رضى الله تعالى عنه، قال: فى "مجمع الزوائد" الجزء الثانى ص257: كنت أكتب الوحى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إذا نزل عليه أخذته بُرَحاء شديدة وعرق عرقًا شديدًا مثل الجُمان، ثم سُرِّى عنه، وكنت أكتب وهو يُملى علىّ فما أفرغ حتى تكاد رجلى تنكسر من ثقل القرآن حتى أقول: لا أمشى على رجلى أبدًا.
فرق بين من قرأ قوله تعالى: (وإن من شىء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم).. فعلم أن الجمادات وسائر الأكوان تلهج بذكر الله لا تكف، وبين من سمع تسبيحها بأذنيه، كما سمع أبو ذر الغفارى تسبيح الحصى فى يد النبى صلى الله عليه وسلم، وفى يد أبى بكر وعمر رضى الله عنهما [مجمع الزوائد 8/299] أو كما سمع عبد الله بن مسعود رضى الله عنه تسبيح الطعام، فقال فيما رواه الترمذى: ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل.
فرق بين من عرف أن القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، فعلم أن أهل القبور منهم المنعم فى قبره ومنهم المعذب، وبين من رأى بعينيه وسمع بأذنيه..
(خلاصة تجارب الصالحين ص155)